مسلسلات رمضان
رائد روسي يكشف أسرار معركة طرابلس وهروب القذافي!
10/10/2011

تعرف كاتب المقالة على الرائد ايليا كورينيف في معسكر خان قلعة للقوات الروسية الفيدرالية. ومن ثم التقيا مرات اخرى في موسكو وفي القوقاز. لقد قضى كورينيف 6 اشهر عمليا بصحبة العقيد القذافي، ويتعالج الان في امريكا اللاتينية لاصابته بجروح ورضوض في الصحراء الليبية على مقربة من الحدود مع الجزائر. ولقد طرح الكاتب بعض الاسئلة على كورينيف تتعلق بالاوضاع الليبية، اجاب عنها بالتفصيل.

س - كيف وصلت الى ليبيا، علما بان روسيا لا تدعم القذافي رسميا؟

رائد روسي يكشف أسرار معركة طرابلس وهروب القذافي! صورة رقم 1

"القذافي هرب بسيارة جيب عادية"

اعدت الممثلية التجارية الروسية في الجزائر وثيقة مأمورية ربيع هذه السنة الى البلد المذكور. ولكن المهمة الاساسية كانت التوجه الى طرابلس بالذات. ووصلت مع "قافلة" بموجب اتفاق تم عبر السفارة، الى مقر القيادة، الى معمر القذافي. وبدأت فورا العمل على تدريب افراد اللواء المعزز 32، الذي كان ولا يزال بقيادة خميس القذافي. واعطيت التعليمات الخاصة بحرب الشوارع واشرفت على التدريب بنفسي. وبعد ان اتضح تعذر الصمود في طرابلس في يونيو/حزيران ـ بوليو/تموز تقريبا. قررنا المباشرة بتدريب افراد اللواء على الاشتباك في صدامات مسلحة بمجموعات مستقلة صغيرة سواء في ظروف المدن او خارج حدود المراكز السكانية. وكان الاهتمام يركز بصورة اساسية على التدريب على اعمال التخريب. وان جنود وضباط اللواء 32 على درجة عالية من التأهيل. ولقد اعتمد تكتيك الاشتباك في معارك بمجموعات صغيرة على تجربة حرب الانصار في الحرب الوطنية العظمى وفي جمهورية الشيشان.

س - هل كنت وحيدا في ليبيا؟
لم أكن وحيدا. هناك اخرون من اقراننا لدى القذافي. سواء من روسيا، من الضباط المتقاعدين بصورة اساسية، الذين شملهم التقليص في الجيش الروسي، او من الجمهوريات الشقيقة سابقا.

س - لماذا ارسلت الى طرابلس، في الوقت الذي تعلن السلطات الروسية رسميا عن ضرورة تنحي القذافي؟
لا احد يستطيع منع موظف رفيع من ارسال مرؤوسه في مأمورية الى الجزائر؟ وعلى سبيل المثال على خط التعاون العسكري التقني؟ والتعليمات الاخرى سرية تماما. وان العمل يقيم بنتائجه، وليس حسب التقارير الزمنية المنتظمة. وان الخبراء المؤهلين يفهمون ان الاعتداء على ليبيا ما هو الا جزء من اجراءات مبرمجة. وتلي ليبيا سورية والجزائر واليمن والعربية السعودية وايران واسيا الوسطى وروسيا. والتتابع ليس مهما. ولكن روسيا ستكون اغلب الظن، الاخيرة. وتجري حاليا احاطتها بانظمة عميلة معادية، ورادارات وقواعد عسكرية، والتشجيع بكافة الوسائل على الفساد وتنامي المشاعر الاحتجاجية داخل البلد.

س - تعذر صمود طرابلس.. هل كان الخطأ في الدفاع؟

رائد روسي يكشف أسرار معركة طرابلس وهروب القذافي! صورة رقم 2

القذافي كان يعيش في علمين متوازيين
(imagebank – AFP)

الخطأ ليس في الدفاع، انما في تقييم النزاع. فقد كان القذافي يعيش في عالمين متوازيين. ولم يتمسك بسياسة معينة كما على سبيل المثال، الرئيس الكوري الشمالي. فالاخير لا يتذبذب، ويتمسك بسياسته. اما القذافي لم يصدق بالاعتداء على بلده حتى اللحظة الاخيرة. وحتى في اواسط اغسطس/آب، عندما وجهت ضربات بالقنابل والصواريخ الى طرابلس والى مدن آخرى، كان يتحدث الى برلسكوني وساركوزي. وكانا يؤكدان له عدم تعرض طرابلس الى عملية برية. وكان قد عرض على القذافي قبل بضع سنوات انشاء منظومة دفاع جوي قوية متكاملة. وكان من الممكن تحقيق هذا من خلال حمهوريات سوفيتية سابقة. ولكنه وجد ان هذا قد يثير غضب الولايات المتحدة واوروبا. القذافي كان يود الكشف عن اكبر عدد من الخونة. وان تلكوء القذافي انطلاقا من تصوراته الشخصية حول سير النزاع، كان بالمناسبة، العامل، الذي اقنع عددا من الضباط الكبار بالارتشاء بمليوني دولار والانتقال الى صف المتمردين. فتصور ان مطرا ينهال في كل مكان، بينما على راسك يتساقط حجر، وتقول كل شيء سيمر بسلام، وسنتجنب ذلك.

س - وكيف تسنى لك الخروج من طرابلس بسلام؟
لقد حذرتنا قناة "الجزيرة" والـ "سي ان ان". فقد شاهدنا مشاهد عن "انتصار" المتمردين التقطت في قطر. وكانت ديكورات الساحة الخضراء في طرابلس مقامة في صحراء قرب الدوحة. وكنا نعرف اسباب ذلك. فهذه المشاهد كانت بمثابة اشارة لهجوم المتمردين والمخربين. واثر هذه المشاهد بدأت "خلايا المتمردين النائمة" باقامة الحواجز في كافة انحاء المدينة، واقتحام مراكز القيادة وشقق الضباط، الذين لم يخونوا القذافي. وبدأت عمليات انزال وحدات اجنبية في الميناء. وانقطع الاتصال باحد الاجنحة. وسلم احد الضباط الكبار موقعه دون معركة. وأمر القذافي بالانسحاب و"عدم اخماد النار بالنار". وعدم تحويل طرابلس الى محرقة تحرق وحدات الجيش والسكان المسالمين على حد سواء. ورفض المئات من الفدائيين تنفيذ هذا الامر، وبقوا يدافعون عن المدنية، في محاولة لارهاق الخصم باقصى درجة، وصرفه عن مطاردة الزعيم والقيادة العسكرية. ولا يزالون يواصلون المقاومة. وتوجد في طرابلس منذ اكثر من شهر مناطق، لا يجرأ حتى السلفيين على دخولها. وهذا خيارهم وهذه مدينتهم و هذا مفهوم. وبدأ الهجوم. وغادر الجميع القصر بجوار قاعدة باب العزيزية الى دار صغيرة في جنوب العاصمة. وبعد بضع ساعات غادرنا المدينة بواسطة عدة سيارات باتجاه منطقة آمنة. وتبين ان هذا تم في الوقت المناسب، اذ سقطت على الدار 3 قنابل ثقيلة خارقة للملاجئ على التوالي. وكانت السيارات من نوع جيب عادية، وليس سيارات "مرسيدس" مصفحة خاصة

س - وماذا عن افراد عائلة القذافي الذين بقوا في ليبيا؟
لقد تفرقوا فورا، قال كورينيف انهم تفرقوا فورا. وهذا قرار فعال جدا. ويقول الليبيون البسطاء انه اذا لم يعد القذافي نفسه، فسيعود احد ابنائه. لقد توجه بعضهم الى تونس ومنهم الى الجزائر والنيجر. فالحدود مفتوحة. وبقي خميس في ضواحي طرابلس للاشراف على المقاومة. وسيف في بني وليد. ولا يمكث لا العقيد نفسه ولا الابناء عمليا في مكان واحد، ويتنقلون بصورة مستمرة. واصعب مشكلة هي الاتصال. اذ تسيطر على الاثير القوات الامريكية ووسائل الاسطول السادس الامريكي التقنية والاستخبارات العسكرية ووكالة الامن القومي الامريكية. ولذلك لم اتجرأ على ارسال صور واشرطة فيديو. وهذا يستغرق وقتا اكثر من ارسال مجموعة معلومات مكتوبة. ولكن نادرا ما يتوفر منفذ الى الانترنت، لان الناتو يعرف اماكن وجودنا تقريبا، ويغلق كافة خطوط الاتصال.

س - وهل يوجد خطر على روسيا من جانب الناتو والولايات المتحدة؟

رائد روسي يكشف أسرار معركة طرابلس وهروب القذافي! صورة رقم 3

القذافي امر عدم الانسحاب من طرابلس
(imagebank – AFP)

لن تحدث بالطبع، مواجهة سافرة في المرحلة الاولى. لان المهمة الاولى تتمثل في تفجير القوقاز من جديد، بمساعدة الاصوليين، واغراق جنوب روسيا في حرب وان كانت محلية، ولكنها واسعة الابعاد. ومن المتوقع ان يستلم السلفيون السلطة في المغرب وكذلك مقاتلو "القاعدة" وغيرها من التنظيمات المتطرفة. والمسافة بين روسيا ومنطقة البحر الابيض المتوسط اقل بكثير مما الى افغانستان، والجبال اقل وأوطأ. وهذا من مصلحة الولايات المتحدة وليس من مصلحة اوروبا وروسيا. هذا ويطمح عبد الحكيم بلحاج، الحاكم العسكري لمدينة طرابلس بمنصب قيادي في الحكومة الليبية الجديدة. وهو الشخص الاول في الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة، التي اعتبرتها وزاة الخارجية الامريكية منظمة ارهابية.

س - هل هناك طامحون غيره؟
طبعا يوجد، ومنهم العقيد المنشق خليفة هفتار، الذي كان يقيم في الولايات المتحدة على مدى 20 سنة. ومحمد بشير الخضار، القاضي العسكري في نظام القذافي. وباختصار ان بلحاج صنيعة قطر. والخضاريمثل طغمة مصراته، التي تحضى بدعم فرنسا. وهفتار من انصار طغمة بنغازي، التي تدعمها الولايات المتحدة. واذا شارك بلحاج في الحكومة، وسيشارك، وسوف تستقبله العواصم العالمية. ومن الجميل ان هذا المسلح الذي يرتبط بالنشاط السري في قوقازنا، سيحضر الى الكرملين وسيشد على يد الرئيس الروسي. كما تجري في ليبيا اضافة الى الاصولية، سرقة السلاح من مستودعات الجيش الليبي. وان قسما كبيرا من هذا السلاح يرسل الى القوقاز في عنابر سفن الشحن. وان الرحلة من موانئ شمال افريقيا الى ساحل القوقاز تستغرق يومين. ومن المؤسف جدا، ان المسؤولين عن امن مواطنينا، عاجزون حتى عن قراءة تقارير محللي الناتو الذين يشيرون بصراحة الى ان التصدير اللاقانوني للسلاح الليبي المسروق يشكل احد مشاكل الامن العالمي الرئيسية.

س – ماهي المهام الاساسية لمناصري القذافي في الوقت الحاضر؟
اقول ان هذه مسألة رياضية بسيطة. فبين سكان أي دولة هناك 5 – 10 % معارضة و 5 – 10 % موالين للنظام. ومهما كانت تصرفات القائد وافعاله يوجد هناك من ينتقده دائما، اما البقية فتؤيده. وفي الحقيقة ليس بامكان المعارضة اوالمؤيدين حل الامور. الحل يبقى بيد الـ 80 – 90 % من السكان الذين يمكن ان يساندوا هذا الطرف او ذاك. فبواسطة شراء الذمم والاستفزازات والدعاية من خلال وسائل الاعلام الغربية يتم الاخلال بالتوازن. ان اعداء القذافي هزوا هذا البندول بقوة، وعليه ان ينتقل بقوة الى الجانب الاخر. ولكن ليس من الضروري ان يظهر هذا في المجال العسكري او السياسي. ويمكنني القول ان الامر لا يتحدد بحدود ليبيا. لذا فان المهمة الاساسية لانصار الجماهيرية هي تقديم البراهين والحجج كما يحصل في قاعة المحكمة. الشعب هنا له خصوصية وهو يشعر جيدا ويحدد من هو الصديق ومن هو العدو، ويفرق بين الجيد والسيء. المهمة ليست عسكرية عمليا.

س – عموما من يدعم الليبيون القذافي ام السلطة الجديدة؟

رائد روسي يكشف أسرار معركة طرابلس وهروب القذافي! صورة رقم 4

مجموعات القذافي تهاجم بجميع الاماكن
(imagebank – AFP)

"السلطة الجديدة" انا لا استعجل بتسميتها سلطة. طبعا البسطاء من الناس يساندون الجهة التي توفر لهم العمل الغذاء والامن. نعم كان في ليبيا اناس ينتقدون القذافي وهذا امر واقع، ولكن هذه كانت معارضة عقلانية، ولم تفكر في رفع السلاح لانها كانت اقلية. اما ما يسمى بالسلطة الجديدة وخاصة المتطرفون فلا يمكنها توفير الاستقرار في ليبيا، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل المنظور، وذلك لان الاكثرية ان لم تكن مع القذافي فهي مع "زمن القذافي". وفي الشرق كما هو معروف تقليديا المال والقوة يحلان المشاكل. فاذا حقق الموالون نجاحات ما فان الشعب سوف يساندهم. الآن مازالت هناك مدن تقاوم وبين فترة واخرى تهاجم المجموعات الموالية للقذافي هنا وهناك. الشعب في انتظار محير، وممن " حروروه".

س – هل تتكلم العربية؟
"من عاش مع قوم اربعين يوما صار واحدا منهم" لو لم اكن اتكلم العربية لما ذهبت الى هناك. ان الحكم والامثال العربية مثيرة للاهتمام. لقد اضفت هنا مثالا جديدا الى مجموعتي. فعندما اقتحم 100 مسلح من المتمردين قصر الضيافة المخصص للوفود الاجنبية وهو ملغم بالقرب من سرت، فان آخر ما شاهدوه في حياتهم كان مثلا يستخدمه الضباط في الجيش العراقي.

س – متى تنوي العودة الى ليبيا؟
بعد عدة ايام سأكون في بلد مجاور، وان 90% من الحدود ليست تحت سيطرة المتمردين. لدي اتصالات مع خميس ومع جماعتي وهم بانتظار عودتي. خميس القذافي في اتصال هاتفي مع زميل له من روسيا في اكاديمية فرونزة للعلوم العسكرية، وكان خميس القذافي قد ابلغ في اتصال هاتفي احد الضباط الروس الذين درسوا معه في اكاديمية فرونزة للعلوم العسكرية: نحن سننتصر او نموت، وليس بيننا من ينوي الاستسلام او الهرب. وطلب خميس من هذا الضابط ابلاغ شكره لكافة مواطني روسيا الذين يساندون نضال الشعب الليبي ضد الغزاة.

a