تعاني عدة عائلات من الفقر الشديد الذي يمنعها من تلبية الحاجيات الأساسية لأبنائها، لكن هل برأيكم يحق للأم أن تترك رضيعها في الطريق بسبب فقرها؟! لا يؤيد عدد كبير من الناس هذه الفكرة، فبامكان الأم أن تتوجه الى الوزارات في بلدها التي تتمكن من مساعدتها على رعاية طفلها. وفي لبنان وأمام ضغوط الحياة، وظروفه الصحية الصعبة لم تجد السيدة "سمر" مفرًّا من ترك رضيعها أمام إحدى المستشفيات على أمل أن يجد الرعاية اللازمة، خاصة وأنها تعاني الفقر مع أربعة أطفال آخرين، وأب غائب عن المنزل يعاني هو الآخر فقدانا متكررا للذاكرة.

وتحدثت سمر عن فترة غياب طفلها، مؤكدة أنها كنت تدعو له بالشفاء، وأن يجد الرعاية والمساعدة من أحد الأشخاص، مشيرة إلى أنه لو ظل معها لكان توفي، خاصة وأن سبق وتوفت ابنتاها. وأفاد تقرير الطبيب الشرعي الذي عاين مهدي بعد قليل من العثور عليه أنه يعاني نقصا في الأوكسجين في الرأس، وسوءا بالتغذية، وقد تم تحويله إلى دير للراهبات للاعتناء به.
وكشفت سمر أنها زارت مهدي في دير الراهبات، ولاحظت تحسنا في صحته، مبدية سعادتها بذلك، خاصةً وأنه تعرف عليها وصار يلمس وجهها ويمسك بيديها ويضحك معها، وقالت "أتمنى أن يعود لي مرة أخرى، ونادمة على ما فعلت". يشار إلى أن زوج سمر مفقود يعاني من فقدان متكرر للذاكرة، وأولادها الأربعة التحقوا أخيرا بمدرسة داخلية خيرية، وخامسهم مهدي المنتظر عودته.
موقف القضاء اللبناني:

اضطرت الأم لالقاء الطفل
امام المستشفى
وحول نظرة القضاء إلى موقف الأم اللبنانية التي تخلت عن ابنها، قال د. طلال خضري -أستاذ الأحوال الشخصية في الجامعة اللبنانية- إن الموضوع يحمل عدة جوانب، تتمثل في حق الطفل في الحياة والنمو تبعا للقوانين اللبنانية والإعلان العالمي لحقوق الطفل 1989.
وأضاف من طرح ولدا بمكان يسبب ضررا وخطرا على حياة الطفل تكون العقوبة مشددة، ولكن قد يختلف الوضع بالنسبة لموقف الأم سمر، لأنها وضعت طفلها أمام باب مستشفى وبعد ذلك ندمت، كما كان هدفها أن يحصل طفلها على الرعاية اللازمة لأنها لا تستطيع تحمل الأعباء المادية.
وأكد خضري أن الأم ارتكبت جرما، وأقل حكم ينص عليه القانون لمعاقبتها يتراوح من 1 إلى 3 سنوات، وإنما القاضي يمكنه أن يمنحها حكما مخففا، نظرا لأنها تراجعت عن قرارها ويكفيها ما تشعر به من أزمات مالية، ومراعاة الأسباب التي أدت بها إلى هذا العمل.
وبرر ما فعلته سمر بقوله إنها كانت تريد أن تبحث عن مستقبل أفضل للطفل لأنها معيلة لأربعة أطفال آخرين، محملا المسؤولية على الدولة التي يجب أن تولي عناية أكبر للأسر الفقيرة.
واعتبر أن الأم التي تمر بهذا الموقف كانت لا بد أن تتوجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة المعنية بهذا الأمر، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الاهتمام بالطفل قليل جدا في الدول العربية مقارنة بالغرب، الذين يمنحون الطفل الدعم المالي والصحي، ويهتمون بحقه في الوجود والنمو.