هنالك العديد من الكتب كان محظور بيعها في مصر طيلة العقود التي كان فيها حسني مبارك رئيسا لمصر، ومعظم هذه الكتب تخوض في الجوانب الشخصية لمبارك الذي كان يشبه المهرج في عيون أمريكا عندما كان نائبا للسادات. اليوم وبعد أن فقد الرئيس المصري المخلوع سلطته أصبحت هذه الكتب الأكثر مبيعا.

"لا تدخلوا هذه الكتب المسيئة لرئيس البلاد". هكذا كانت التعليمات الأمنية تصدر بمنع بعض الكتب الغربية، خاصة الكتب الأمريكية والبريطانية التي تتعرض لعصر الرئيس السابق حسنى مبارك، أو تنتقده بشكل شخصي بسبب سياسات الفساد الداخلية والفشل في السياسة الخارجية التي وضعت مصر رهن المعسكر الأمريكي والإسرائيلي طيلة 30 عاماً قضاها مبارك في حكم مصر، كانت أصعبها العشر الأخيرة.
فمنذ عام 2000 ومصر تشهد تغييرات وعواصف سياسية واقتصادية هزت عرش مبارك دون أن يشعر بارتجاجاتها، حتى جاء الزلزال الأقوى مع ثورة 25 يناير الذي أجبره على التنحي عن الحكم، لأول مرة في بلد لم يعرف كلمة الرئيس السابق إلا بالموت أو المنفى أو الاغتيال.
الكتب والمذكرات التي صدرت عن بعض السياسيين والمحللين الغربيين وصفت عصر مبارك بالسنين العجاف التي عاشها الشعب المصري في ظل نظام فاسد تحكمه المحسوبية، وليس الكفاءة، وتتسع فيه الهوة بين الطبقات، دفعت كثيرا من الأقلام البارزة في العالم إلى إصدار عدة كتب التي تناول بعضها الأوضاع في مصر في السنوات الأخيرة التي كانت تنبئ بما حدث، والبعض الآخر حاول استشراف مصر بعد مبارك.
كيف أصبح نائباً للسادات؟!
ولعل أبرز الكتب العالمية التي تحدثت عن مبارك في السنوات الأخيرة كتاب "كبار زعماء العالم" الصادر ضمن سلسلة أمريكية عن دار نشر "تشيسى هاوس"، الذي يرصد كيف كان حسني مبارك منذ بداية حياته المهنية حتى اختيار السادات له نائباً بعيداً تماماً عن السياسة.
ويقول مؤلفا الكتاب سوزان موادى دراج، وآرثر ميير سشليسنجر، إن الرئيس السادات كان حليفاً قويا لأمريكا وكذلك نائبه حسني مبارك، وربما كان السبب وراء اختيار السادات لمبارك هو كونه متزوجا من امرأة مصرية إنجليزية، وهي سوزان ثابت، التي أصبحت فيما بعد سوزان مبارك ذات الميول الغربية، مثلها مثل جيهان السادات وهي نصف إنجليزية أيضا كان لها دور كبير في ميل السادات نحو الغرب والتحول بعيداً عن الاتحاد السوفيتي.

"كبار زعماء العالم" يرصد حياة مبارك
وفى كتاب "الحجاب" الذي كتبه الصحفي الأمريكي المخضرم بوب ودوارد الذي فجر فضية ووتر جيت، يقول إن المخابرات الأمريكية كان لديها تسجيل مصور عن مبارك والقرية التي ولد فيها، وعن زوجته ذات الأصول الإنجليزية. وربما يكون للولايات المتحدة دور في اختيار السادات لمبارك نائبا له.
ويقول كتاب "كبار زعماء العالم" إنهم ظلوا ينظرون إلى مبارك في الفترة التي قضاها نائباً للسادات على أنه "مهرج القصر"، وكان يطيع رئيسه لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنرى كسينجر عندما رآه لأول مرة بجوار السادات لم يخطر بباله أن هذا هو الرجل الثاني في مصر، واعتقد أنه مجرد مساعد درجة ثانية للسادات.
ويمضي هذا الكتاب الذي يركز على السنوات التي قضاها مبارك كنائب في القول إنه بعد أن خسر چيمى كارتر صديق السادات منصب رئاسة أمريكا قام السادات بإرسال مبارك للولايات المتحدة مرتين في عام 1980 لكي يودع كارتر ويحاول اللقاء مع الرئيس المنتظر رونالد ريجان، وفي هذه الزيارات ألح مبارك على أمريكا لإرسال أسلحة إلى السودان لأن مصر كانت تعتقد أن نظام حكم معمر القذافي الثوري، المكروه من السادات، يحاول الإطاحة بنظام حكم جعفر النميرى.
لكن مبارك في هذه الجولات الأمريكية بدأ يقوم بعمليات بيزنس خاصة به مع رجل الأعمال حسين سالم من وراء أنور السادات. وكاد السادات يقوم بعزل مبارك بعدما علم بهذه الوقائع واستبداله بالوزير منصور حسن، الذي وصفه الكتاب بأنه كان شاباً طموحاً رشحته زوجة السادات چيهان لتولي منصب نائب الرئيس، لكن كون مبارك عسكرياً ينتمي للجيش إلى جانب صلته القوية بالسادات أبقيا عليه في منصبه، وكان مبارك يعرف الكثير عن السادات في ذلك الوقت ويعرف مدى ارتباطه بأمريكا والحماية الخاصة التي وفرتها المخابرات الأمريكية لحراسته.
الكتاب الذي منعه الرئيس

مصر هي اكثر دولة عرفت القسوة
ولعل أشهر هذه الكتب ما أصدره الكاتب البريطاني جون برادلي في النصف الثاني من عام 2009، والذي حمل عنوان "داخل مصر.. أرض الفراعنة على حافة الثورة"، وهو الكتاب الذي أثار ضجة بسبب منعه من النشر في مصر، قبل أن يتم السماح بنشره، حيث تنبأ برادلى في هذا الكتاب بثورة جديدة في مصر تخسر فيها أمريكا هيمنتها على أكبر دولة عربية وعلى الشرق الأوسط، ووصف المجتمع المصري بأنه بدأ في "التحلل والذوبان ببطء" تحت "عاملين توأمين هما ديكتاتورية عسكرية قاسية وسياسة أمريكية فاشلة في الشرق الأوسط".
وقال الكاتب عن مصر في كتابه إنها أكثر دولة عربية بها قسوة، ويشيع فيها التعذيب والفساد، وتحاول فيها عائلة الرئيس حسني مبارك الكفاح من أجل حل أزمة الخلافة، بينما الإسلاميون، الذين تم تأديبهم، ينتظرون في الكواليس بفارغ الصبر من أجل فرصة للحصول على السلطة.
وجاء كتاب برادلى في ثمانية فصول تحدث فيها عن الإخوان المسلمين، وفصل عن المسيحيين، ومعهم الصوفيون في مصر، وفصل عن البدو وسيناء، وفصل كامل عن التعذيب، وفصل آخر عن الفساد، وفصل أطلق عليه عنوان: "ضياع الكرامة في مصر"، وأخيرا فصل أطلق عليه اسم: "مصر بعد مبارك".
وتحدث برادلى عن الحزب الوطني كثيراً في صفحات كتابه، وقال عنه إنه حزب ليست له صلات حقيقية بالناس وليس له حتى وجود حقيقي خارج المدن الكبرى، ومن هذا المنطلق، رأى أن نظام مبارك ليس له الخصائص التي أبقت السوفييت أو الحزب الاشتراكي الصيني في الحكم، فالحزب ليس له سبب في الوجود غير أن يتعلق بالحكم، وبناء عليه فإنه مع غياب أي نوع من الشرعية فإن ما يبقيه في الحكم هو التخويف والترهيب، حيث يتم بث الجبن في المجتمع من أعلاه لأسفله.وتعجب الكاتب من تحمل المصريين لما يقع عليهم من ظلم وتعذيب، لكنه رأى أن كثيرا من العوامل تؤثر فيهم من بينها العولمة، وكذلك ما أسماه الغضب الشعبي لرؤيته العناصر التي تقلد الغرب في المجتمع وهى تسرقه تحت مسمى تحرير الاقتصاد وفتح البلاد للاستثمار الأجنبي. ووصف برادلى مصر في هذا الحين، وقت صدور كتابه بإيران في الأيام الأخيرة من حكم الشاه قبل قيام الثورة الإسلامية.
imagebank-AFP