يسعى الفلسطينيون في أروقة الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بدولتهم، ويبدو أن أفضل أصدقاء إسرائيل سيساندونهم في ذلك المسعى، فالشرق الأوسط قد تغير بفعل انتفاضات "الربيع العربي"، وينبغي ألا تعتقد إسرائيل بأن الأمور قد ظلت على حالها ولم تتغير، وإذا أرادت الحفاظ على أمنها فعليها أن تتماشى مع الوضع السائد.

أفضل أصدقاء إسرائيل
يساندون الفلسطينيين!!
إن التوقعات بطرح الدولة الفلسطينية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، قد جعلت الدول الغربية في وضع يشبه الهلع، إذ أرسلت الحكومة الاميركية مجموعات تلو الأخرى من مسؤوليها الى رام الله، لإقناع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالعدول عن تلك الخطوة. وانضم إليهم في الأيام الاخيرة ممثل اللجنة الرباعية للأمم المتحدة، توني بلير.
ويبدو أن الدول الأوروبية بدأت تتعاطف مع اليأس الذي تشعره السلطة الفلسطينية، لكن بدرجات متفاوتة، وكانت الاسرة الدولية قد حثت قبل عامين القيادة الفلسطينية على بناء مؤسسات الدولة، ومنذ ذلك الوقت اجتهدت السلطة الفلسطينية لإنجاز ذلك، إلا ان المشكلة ظلت تتمثل في (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، ونسمع هذا الهمس ينطلق من لندن إلى برلين إلى واشنطن وكل العواصم الواقعة على طول هذا الطريق، فقد أجهض نتنياهو جهود الولايات المتحدة لإنعاش عملية السلام.
وتخشى الدول الأوروبية من أن يؤثر التصويت على الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة في تماسك اتحادها، ولا تريد هذه الدول تكرار تجربة ليبيا بعد الجروح التي اصابتها جراء التدخل في تلك الدولة، وتخشى بعض الدول الاوروبية أن يؤدي ذلك الى إحداث شرخ في علاقتها مع واشنطن، إذ إن واشنطن مستعدة لاستخدام حق النقض (الفيتو)، اذا وصلت الدولة الفلسطينية الى طاولة مجلس الامن. ويبدو ان معظم اعضاء الأمم المتحدة مستعدون لتأييد المطالبة بدولة فلسطينية، فالجميع يعلم ان تهديد (الرئيس الأميركي) باراك أوباما باستخدام "الفيتو" له اثر في الكونغرس، وفي اعادة انتخابه رئيساً للبلاد اكثر من أي شيء آخر.
وكان بلير قد أخبر عباس قبل ذلك بأنه اذا أقر الفلسطينيون اعلان المبادئ الخاصة بـ"اللجنة الرباعية" بدلاً من مواجهتهم "فيتو" في الامم المتحدة، فإن نتنياهو على استعداد لبدء مفاوضات جادة. لكن نظراً للسجل السيئ لرئيس الوزراء الاسرائيلي في مثل هذه الأمور، وتوسيعه رقعة المستوطنات الاسرائيلية غير القانونية في الأراضي المحتلة، فلن يأخذ الفلسطينيون هذه الوعود مأخذ الجد.

تهديد اوباما باستعمال الفيتو له
اثر في الكونغرس
ويبدو أن "الربيع العربي" قد غير من الخريطة السياسية للمنطقة، إلا ان نتنياهو لايزال يدس رأسه في الرمال، ويمارس حملة شرسة ضد مسعى عباس الدبلوماسي، ويطلق احد الدبلوماسيين الغربيين عليها حملة "الوعيد"، وفي الوقت نفسه تقرن الحكومة الاسرائيلية تهديداتها تلك بفرض عقوبات اقتصادية على الضفة الغربية، وتحذيرات بعدم الاستقرار، اذا نجح عباس في الحصول على موافقة الامم المتحدة بشأن الدولة الفلسطينية. وينبغي ان يعلم نتنياهو انه يلعب بالنار، ففي هذه المنطقة من العالم، فإن مثل هذه اللغة الملتهبة قد تعمل على تدهور الوضع اكثر من ذلك.
وفي جميع الأحوال فإن الفلسطينيين انما يطالبون بتحقيق ما وعدتهم به الأسرة الدولية قبل فترة طويلة، وما تعهدت به الحكومات الاسرائيلية السابقة، وإن حل الدولتين يرتكز على حدود 1967 وعلى انشاء عاصمة مشتركة في القدس. واذا لم أكن مخطئاً فإن هذه المطالبة تمثل الموقف المستديم نفسه للجنة الرباعية والاتحاد الاوروبي وإدارة أوباما.
وبالطبع، فإن لإسرائيل مخاوفها الخاصة بها، لا سيما ما يتعلق بأمنها وبوضع اللاجئين الفلسطينيين، ولهذا فإن أي إعلان لإقامة دولة فلسطينية ستضعه إسرائيل داخل إطار أمنها المستقبلي، ومن السخرية ان تضيع مثل هذه المخاوف المشروعة في خضم الغضب واليأس الناجم عن تصلب وعناد نتنياهو.
إن اسرائيل نادراً ما تبدو محاصرة، وعليه فإن حكومة نتنياهو سلبت اسرائيل ما اطلق عليه العالم الاميركي، جوزيف نيي "القوة الناعمة" الاسرائيلية، فقد فقدت اسرائيل قدرتها على المجادلة بالحجة المقنعة، ويبدو ان رئيس وزرائها قد استمرأ عزلته.
imagebank - AFP