قد يتغير حظ المرء، فيطير إلى عالم الشهرة، وربما الثراء، فقط لأن ملامحه تشبه شهيرا على مستوى العالم. وفي الغالب الأعم تندرج هذه المسألة في باب الفكاهة والترفيه، لكنها يمكن أن تصبح لعنة على صاحبها عندما تضع حياته نفسها في مسار رصاص الأعداء وخناجرهم. عندما وافت المنية الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ إيل جهشت بلاده بالبكاء، من الأطفال إلى مذيعي الأخبار والجنرالات وجنودهم. لكن، وفقا لما تداولته الصحافة العالمية، فقد كان هذا فقط لعدسات الكاميرات وأعين الجواسيس وكتاب التقارير، باستثناء واحد ليس في كوريا الشمالية نفسها، وإنما في شقيقتها الجنوبية.
|
الرئيس الروسي بوتين |
الحديث هنا عن صاحب متجر يدعى كيم جونغ ـ سيك، صعد إلى سماء الشهرة مع تولي القائد الشمالي السلطة في بلاده بفضل الشبه الذي يتمتع به. ومع وفاة كيم الزعيم، أعرب كيم الشبيه عن حزن حقيقي عميق، وقال: "أشعر بفراغ كامل، فكأن جزءا مني قد مات أيضا". وقد صعد كيم الكوري الجنوبي على ظهر شبهه بالزعيم، فتلقفه التلفزيون والسينما في بلاده، وطاف على الدول القريبة، مثل اليابان، والبعيدة مثل الخليج العربي. وكان يقول: "عندما أتقمص دور كيم جونغ ـ إيل، أصبح كيم جونغ ـ إيل".
ويتحسر هذا الرجل على أن مشواره مع الشهرة أتى إلى نهاية فجائية، رغم أن أصدقاءه يطمئنونه إلى أن بعض المشاهير يزدادون شهرة بمماتهم. لكنه يقول: "لا أعتقد أن كيم جونغ ـ إيل ضمن هذه الزمرة، كم أنا حزين على الزعيم الراحل، وربما كنت الوحيد الذي يأتي حزنه عليه من القلب فعلا".
لكن صحيفة "غارديان" البريطانية تنقل عن ماكداف فارلي، الذي يدير وكالة لتوفير الشبهاء للأعمال التلفزيونية والسينمائية ما يمكن أن يطمئن كيم جونغ ـ سيك. فهو يقول إن الموت يضمن الشهرة فعلا. ويستشهد فارلي على هذا بأن وكالته شهدت مزيدا من الطلب على شبهاء أسامة بن لادن منذ مايو الماضي، مع تهافت المنتجين على الكسب من وراء عملية مقتله الدرامية الجريئة في مخبئه في باكستان.
وثمة حديث يدور الآن عن أن المخرجة الأميركية كاثرين بيغالو، صاحبة فيلم "خزانة الأذى" (عن حرب العراق) الذي أتى لها بست جوائز أوسكار، ستخرج فيلما عن مقتل بن لادن. ورغم أن الأدوار لم توزع بعد، فيعتقد أن الممثل الإنجليزي الأسود إدريس إيلبا سيقوم بدور زعيم القاعدة، أو دور الرئيس باراك أوباما على الأقل.
يستطيع كيم جونغ ـ سيك النظر بتفاؤل إلى مدحت أبوالعز، الذي يقول إنه عانى ملاحقات أمن الدولة، بسبب الشبه الكبير بينه وبين الرئيس المخلوع حسني مبارك. لكنه صار نجما سينمائيا وتلفزيونيا، بعدما انقلبت الموائد على الرئيس نفسه. وعلى هذا المنوال، فهناك أيضا أيمن حسني، الذي سارعت قنوات التلفزيون لاستضافته، وبثت مقابلاته للملايين على "يوتيوب".
وهناك أيضا الأميركي أنتوني بينا، الذي وجد النجومية على شاشات التلفزيونات الأميركية، وخاصة برنامج "عرض كونان أوبرايان" المسائي مقلدا الزعيم الليبي معمر القذافي. على أن حظوظ بينا أتت إلى ختام درامي بعد مقتل العقيد في أكتوبر الماضي. فبمجرد تعميم النبأ في ذلك اليوم، وجد الشبيه أنه "ميت" أيضا، إذ أطلق عليه أحد طاقم العاملين في البرنامج "طلقة" من مسدسه (في محاكاة فكاهية لإعدامه) ثم سمع أوبرايان نفسه يقول وهو يخاطبه: "حظ سعيد في المستقبل"!
في الصين، قفز فلاح فقير في قرية نائية منسية يدعى لو يوانبين (48 عاما) إلى دنيا الشهرة المحلية، عبر الصحافة المحلية والعالمية عبر الإنترنت.. كل هذا بفضل ملامحه، التي تجعله شبيها تاما لرئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. وحتى القرويون أنفسهم، صاروا ينادونه بلقب "الأخ بوتين". وصار هذا الفلاح العازب في قمة السعادة بفضل كل الانتباه الذي وجده على غير موعد، فقال إنه يمني نفسه بأنه يقف في بداية جسر قصير يقوده إلى الحياة السهلة الرغدة.
|
|
وسارعت وكالة "شينخوا" للقائه فقال لها: "بالطبع فأنا فلاح فقير، ما زلت أعمل في الحقل منذ مشرق الشمس إلى مغيبها". لكنه أضاف أنه يتطلع الآن إلى آفاق جديدة: "ربما تمكنت من هجر الزراعة، والعمل شبيها فكاهيا للزعيم الروسي في حفلات الشركات الكبرى، ولن أنسى بالطبع أن أعقد قراني على أجمل الجميلات. نعم، أحلم بزوجة جميلة وأسرة سعيدة. ونعم، أفكر أيضا في أن مصيري الآن هو أن أترك عملي الحالي، كي أبدأ عروضا فنية خاصة بي".
حتى في حال عزوف الكاميرات عن الشبهاء، فباستطاعتهم السير على خطى لطيف يحيى، الذي كان عدي صدام يستغل شبهه به لأسباب أمنية، ويتخذ منه درعا بشريا أمام محاولات اغتياله منذ العام 1987، حتى نفذ بجلده أخيرا وفر إلى أوروبا. فقد ألف يحيى كتابين عن تجربته الفريدة هذه، أحدهما بعنوان "كنت ابن صدام" والآخر "شبيه الشيطان". وبلغ نجاح هذا الأخير درجة أن السينما تلقفته، فصار فيلما في العام الماضي من بطولة دومينيك كوبر، الذي يؤدي دور عدي وأيضا أخيه قصي.
وربما كانت قصة يحيى هي الأشهر بين شبهاء الطغاة، لأنها لم تكن لمجرد الترفيه والنجومية، وإنما حقيقية تمسه في سلامة جلده، فعاش سنوات على الحبل المشدود بين الحياة والموت. ووفقا للمعلومات المستقاة عنه على الإنترنت، ففي أحد أيام سبتمبر 1987 تم استدعاؤه من جبهة الحرب مع إيران إلى قصر عدي، حيث طلب منه هذا الأخير أن يصبح شبيهه.
ورفض يحيى "بلباقة" كما يقول، لكنه تعرض للسجن والتعذيب، وكذلك عائلته، واضطر مع هذه الحال للموافقة فيما بعد. وتتكثف الدراما هنا إذا علمنا أن الجراحين أجروا بعض العمليات على وجهه، في محاولة لإكمال الشبه بينه وبين عدي. وتورد تلك المصادر أن هذا العمل لم يكن سيئا بشكل شامل، رغم المخاطر الحقيقية التي عرضه لها. فيحيى يقول إنه نجا ـ باعتباره عدي ـ من 12 عملية اغتيال. ولكن من ناحية أخرى فقد صار يعيش حياة باذخة، لم تكن تراوده حتى في أحلامه.
وبعد مرور أربع سنوات ونصف سنة من حضور مباريات كروية بدلا من عدي، والتعرض لإطلاق النار من قبل المعارضين، ومشاهدة تصرفات عدي الطائشة، ارتكب يحيى "خطأ فادحا" عندما كان يتحدث مع صديقة لعدي، فأودع السجن. ولاحقا بعد دخوله السجن نفسه مرة ثانية، شعر بأن حياته في خطر، فهرب إلى شمال العراق، ومن هناك غادر البلاد في 1992 بمساعدة المخابرات الأميركية "سي آي ايه"، التي فتحت له الطريق إلى وجهته المفضلة، وهي فيينا.
عدي صدام حسين من اليسار وشبيهه لطيف يحيى
سيك شبيه القائد الكوري الراحل كيم جونغ ايل
imagebank - AFP