انتظر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك سنتين ونصف بعد انتهاء رئاسته كي يُخرج للعلن مذكراته. وبالفعل كان الوقت مناسباً جداً حيث إن شعبيته لا تزال في الذروة، فما يزيد على 80 في المائة من الفرنسيين يكنّون له الكثير من الود والتعاطف، والدليل أن مذكراته نفدت في الكثير من المكتبات وأماكن بيع الكتاب.

كما أن الفرصة مواتية لتداول الكتاب وتحقيق نجاح لا نظير له، خصوصاً وأن فرنسا تنتظر، هذه الأيام، إحالة شيراك الى المحاكمة في سابقة تاريخية، وذلك بتهمة إسناد نحو 20 وظيفة وهمية إلى بعض مؤيديه، حين كان يتولى منصب عمدة باريس بين العامين 1977 و1995 .
ورغم أن الكتاب يزخر بالكثير من التفاصيل المثيرة، فإن ما يهم التركيز أكثر على علاقة شيراك بالعالم العربي، وكان شيراك يخاف أن يلام على علاقاته مع صدّام حسين بسبب مفهوم هذا الأخير للممارسة السياسية، يكتب: "ابتداء من سنة ،1974 ازداد التبادل الصناعي والعسكري بين البلدين . في تشرين الأول استقبلت صدام حسين بذراعين مفتوحتين، من أجل التفاوض حول صفقات جديدة. وعلى الرغم من أنه وصل إلى السلطة عبر طرق عنيفة، فإن المسؤول العراقي، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في العالم العربي، لم يكن يعتبر من الزعماء المنبوذين في العواصم الغربية".
ولأن صدام كان يود الخروج من الوصاية السوفييتية، "رَاهَن على فرنسا كي تساعده على تقوية استقلال بلده وبذل مجهوداً كبيراً من أجل التعبير عن صداقته لي"، ويتذكر الرئيس شيراك زيارة صدام إلى فرنسا في أيلول ،1975 والتي كانت ناجحة إلى درجة أن شيراك صرّح: "أن فرنسا على استعداد لأن تقدّم للعراق رجالها وتكنولوجيتها وقدراتها"، ويكشف الرئيس الفرنسي السابق سراً لا يعرفه الكثيرون وهو أن صدام الذي طرد الإمام الخميني من منفاه العراقي، نصح شيراك، عن طريق رسالة من السفير العراقي في باريس، بألاّ يمنح اللجوء للإمام الخميني.
وكان تحذير صدّام كالتالي: "احذروا جيّدا، اتركوه يتوجه إلى ليبيا، لأن ما سيصرّح به في فرنسا سيكون له صدى دولي مدوّ، في حين أن ما سيقوله في ليبيا لن يسمعَه أحدٌ"، ويعترف شيراك أنه نقل التحذير إلى الرئيس ديستان لكنه فعل عكس ذلك. كان هذا آخر اتصال مع صدام، كما يعترف شيراك . ويضيف أنه: "حين علمتُ، بعد سنوات، الجنون القمعي الذي استولى على الرئيس العراقي، قطعت، بشكل نهائي، كل علاقاتي الشخصية معه. لكن هذا لم يمنعني من الإحساس بالصدمة من النهاية التي اخْتيرت له. هذا الإعدام الليلي الذي تم تنفيذه بنفس الوحشية التي اتُّهِم باقترافها والتي من أجلها تمّت إدانته".


