عندما أرادت ام كلثوم أن تسهم في بناء الجيش المصري العظيم فيما عرف بـ "حفلات المجهود الحربي"، أخذت سيدة الغناء العربي القرار وقامت بتنفيذه بدون ضجيج أو صخب، والاجمل أن بعض هذه الحفلات اقامتها في دول كانت تدعم الكيان الصهيوني، ولم تخش من هذا حيث ذهبت الى عقر دارهم وغنت من أجل جمع الأموال لبناء الجيش المصري، وسار على درب ام كلثوم مطربون آخرون.
ومرت السنون مؤخراً وبدأ بعض المطربين يفعلون هذا من أجل الشو الاعلامي وتطور الأمر ليصبح مناسبة حلوة يخرج بها المطرب وفرقته بقرشين حلوين في ظل تراجع سوق الحفلات في مصر. فبعد أزمة سقوط الطائرة الروسية وقيام بعض الدول الاوروبية بسحب سائحيها من شرم الشيخ، خرج بعض مطربينا وأعلنوا عن رغبتهم في إقامة حفلات في المدينة متبرعين من أجل تنشيط السياحة.. ثم فوجئنا بأحدهم يعلن أن احداً في الدولة لم يتصل به من أجل التنسيق لاقامة الحفلات وأكّد أحد كبار المتعهدين نفس كلام المطرب.. وهذا أمر يدعو للدهشة والاستغراب من هذا السلوك.
الغناء تحت ستار التبرع يعني ألا يتحمل أحد غير المتبرع أي نفقات. وحين يقول المطرب انه متبرع لاقامة الحفل ويعلن منظم حفلات عن تبني الفكرة، فهذا يعني ان كل المصاريف تقع عليهما من تنظيم وغيره. فهل يحاولان توريط المسئولين عن مدينة شرم الشيخ أو محافظة جنوب سيناء في التنظيم والاستضافة ودفع اجر الفرقة؟ لأن كل مطرب الآن يؤكد أمام الدنيا كلها والشاشات أنه متبرع بأجره، وعندما يجلس في الغرف المغلقة أو يجلس مدير أعماله مع المسئولين عن التنظيم تجد الكلام يسير في اتجاه آخر وهو أن الاستاذ المطرب متبرع لكن يحتاج اجور الفرقة والاقامة "والذي منه"، وهذا يعني أن الحفل سوف يكلف الدولة الكثير في حالة استضافتها للمطرب وفرقته.. وهنا طالما أن الامر سوف يكلف الدولة فهذا يعني أن الاستعانة بمغن عالمي أفضل بكثير من أي فنان مصري لأن العائد من الفنان المصري لن يتعدى حدود الوطن.
المغني العالمي سوف يتابعه كل العالم، وتلاحقه كاميرات وصحف ومجلات وفضائيات عالمية، أما مطربونا فمن سيتابعهم سوى القنوات المحلية؟ ومع شديد الاحترام لهذه القنوات فهي لا يتابعها سوى المصريين فقط، حتى العرب لا يتابعونها، وبالتالي نصبح كمن يتحدث الى نفسه في غرفة مغلقة.
أزمتنا الحقيقية أننا لا نجيد التصرف عند الازمات. أزمتنا الحقيقية ايضاً أن نجومنا حالياً غير موجودين بالمرة عندما يواجه الوطن أزمات.. هل سمعنا أن مطرباً أو ممثلاً تبرع لصالح ضحايا السيول، وقبلهم ضحايا الارهاب؟ المسئولية الاجتماعية عندهم غير موجودة بالمرة.
سيلين ديون تبرعت بالملايين لمكافحة السرطان
هم فقط يجيدون الكلام.. أخذوا من المغنين العالميين الموضة في الموسيقى والشكل فقط لكنهم لم يأخذوا شيئاً من ضمير سيلين ديون التي تبرعت بالملايين لمكافحة السرطان.. وجنيفر لوبيز وشاكيرا وريهانا اللاتي تبرعن لمكافحة الايدز والامراض المستعصية، لماذا تسابقوا على شكل تصفيف شعر ليوناردو دي كابريو ولم يسيروا على خطاه عندما اسس جميعة لرعاية اطفال الشوارع.. للأسف نجوم مصر يأخذون من نجوم العالم الموضة فقط، ويطبقونها مثلما يقول الكتاب لكن في اعمال الخير والمسئولية الاجتماعية كلام في كلام. بتصرف عن الوفد.