لا سر في "جمهورية" نسيت حدودها، وانصرف "ضباط أحرار" بها عن "الخيام والمعسكرات"، إلى حياة "السهر والحفلات".. لتضرب أمواج النكسة شواطئ "خطايا" رجال ناصر؛ لتكشف عن قصص "العشق الحافلة" بين كبار ضباط الحقبة الناصرية، وفنانات الزمن الجميل.
ليلى ووجيه.. "ليه خليتني أحبك"
الضربة الأولى كانت من الفنانة الراحلة ليلى مراد ووجيه أباظة أحد الضباط الأحرار، وسجلت حقبة خمسينيات القرن الماضي، سلسلة قصص وروايات ارتبطت بـ"ليلى ووجيه" عقب طلاق الأولى من الفنان أنور وجدي. تقارير صحفية عدة وشواهد مختلفة، تحدثت عن أن "أباظة" طلب الزواج من الفنانة ليلى مراد، لكنه اشترط أن يكون سرًا حتى لا يعلم أحد من الضباط الأحرار به.
ثمة مفاجأة أثارت ضجة غير عادية في الوسط الفني، ففي عام 1953 قررت المطربة الراحلة الاعتزال فجأة بعد طلاقها من زوجها الفنان والمخرج والمنتج أنور وجدي، وهو الخبر الذي أثار ضجة كبيرة، وأصبح مادة للصحف ووسائل الإعلام وقتها. حاولت صاحبة الابتسامة الواسعة أن تغطي على كل الأحاديث الصحفية، فأعلنت أنها ستسافر إلى أوربا وبالفعل تركت شقتها، لكن ليس إلى أوربا ولكن إلى شقة زوجها الجديد، الذي أوكل إليه في ليلة 23 يوليو قيادة المطار، القاعدة الأساسية للقوات المسلحة الجوية.
أما قصة العشق بين "المطربة الشهيرة والضابط الشاب" فبدأت بلقاء في قطار الرحمة، الذي نظمته إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة، وساهم فيه مجموعة من الفنانين لجمع تبرعات من المحافظات لدعم ثورة يوليو1952. ابن العائلة الأباظية الشهيرة اقترب من نجمة الغناء، فجذبته رقتها ورومانسيتها بجانب وطنيتها، لهذا لم تعجبه الشائعات التي كان يطلقها أنور وجدي بعد طلاقه منها، والتي أدت في وقت من الأوقات إلى منع تداول وإذاعة أغانيها في سوريا مما ترتب عليه تدخل وجيه عن طريق زميله الملحق العسكري، المؤرخ جمال حماد وقتها للإفراج عن الأغاني والأفلام، وبدأ التقارب يحدث بينهما.
درجة التعاطف والتقارب بين وجيه أباظة، وليلي مراد زادت حتى تحولت إلى قصة حب قوية فرضت نفسها على الاثنين لدرجة أنها قبلت أن تعيش بجوار الرجل الذي أحبته، وقبلت أن تكون زوجة بعيدة عن الأنظار من فرط حبها له وسعادتها به، وكان وجيه أباظة برغم مشاغله وعمله مع رجال الثورة يعطيها الحب فأسعدها، وساعدها على تحمل كونها زوجة في السر، بعيدة عن الأنظار. لم تدم قصة الحب سوى شهور قصيرة وبدأت الوساوس تشغل بال ليلي، خاصة بعد أن تحرك في أحشائها جنين كان هو ثمرة الزواج السري الذي ربط بينها وبين وجيه أباظة.
شهور الحمل مرت وهي في قلق دائم على مصيرها ومصير ابنها أشرف، وكانت الظروف تقف في وجه العاشقين "ظروف عمله وسفره وأعبائه كرجل مسئول من مسئولي الثورة، وظروف وضعه بين أفراد عائلته الكبيرة والمشهورة"، والتي حتمت عليه أن يبتعد نهائيا معلنا نهاية قصة حب وزواجه من ليلي مراد بعد زواج لم يدم سوى عام تقريبا؛ لتعود بعد ذلك إلى حياتها الفنية من جديد، وكأن أغنيتها "ليه خلتني أحبك" كانت لطليقها.
مها وشفيق.. "بالحلال يا سي علي"
قصة العشق الثانية، كانت من نصيب "على شفيق - مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر" و"المطربة والممثلة مها صبري" صحيح أنها كانت زيجة رسمية إلا أنها لم تخرج عن السرية. صحف الخمسينيات حينها، تحدثت عن أن "شفيق" اشترط أن تتخلى مها صبري عن عملها الفني مقابل طلبها أن يطلق زوجته الراقصة نجوى فؤاد، وظلا زوجين إلى أن قُتل على شفيق في لندن عام 1977.
بين ليلة وضحاها، حولت الشاشة زكية فوزي محمود إلى اسم سينمائي لامع وهو "مها صبري"، تلك الفتاة القادمة من باب الشعرية لتسجل عام 1959 مولدًا فنيًا لاسمها، بعد أن اختارتها المنتجة ماري كويني لتلعب دورًا في فيلم أحلام البنات، وتغني فيه مجموعة من الأغنيات التي أسهمت في تقديمها كفنانة شاملة.
مشوار قصير مع الفن جعل موجات الشهرة تلقى بها على شاطئ أحد رجال النظام، وهو العقيد على شفيق "كاتم أسرار" المشير عبدالحكيم عامر، حدث ذلك في بورسعيد أثناء الاحتفالات بـ"عيد النصر". قصة الحب بينهما بدأت بعدما تعارفا ضمن كوكبة من فنانى مصر في ديسمبر 1966، وبعد وصلتها الغنائية صافحت الحضور من رجال الدولة، ومن بينهم على شفيق الذي كان بجوار المشير عامر فتحدثت له عن واسطة لأحد أقاربها في التجنيد.
منحها شفيق رقم تليفونه وطلب منها أن تتصل به عند عودتها إلى القاهرة، واتصلت به وكان بداية الحب بينهما بعدما تكرر الاتصال وتكرر اللقاء، وكانت عبارتها المفضلة (بالحلال يا سي علي) حتى أدرك شفيق أنه وقع أسير هوى المطربة الجميلة التي رفضت أن يكون الزواج عرفيًا مثل صديقتها برلنتي عبدالحميد.
"مها" رفضت إقامة أي علاقة إلا عبر بوابة "الحلال" بل الحلال الرسمي وليس "العرفي"، وبالفعل وافق شفيق على شروط مها لكنه وضع لها في المقابل شروطًا أهمها نسيان قصة الفن من أصله، وهو ما كان شرطًا سهلا، فلم يكن لها أن تصل في السينما أو الغناء إلى أبعد ما وصلت، وهكذا تم الزواج وعاشت مع زوجها حياة أسرية هادئة أنجبت خلالها ابنها أحمد، وكان يمكن للوضع أن يستمر للأبد لولا أن دوام الحال من المحال.
وقعت النكسة، وكان أول ضحية لها المشير عبدالحكيم عامر، الذي انتحر أو انتحروه، وكانت الضحية الثانية وهي كاتم أسرار المشير، فتم تحديد إقامته في بيته، وهكذا ضاع النفوذ، بعد أن ضاع الفن، ومع وفاة ناصر انفرجت الأمور قليلا، وبدأ زوجها هو الآخر يتحرك ويعمل بالتجارة، حتى جاء عام 1977 حيث وجد الزوجان فرصة للحياة في لندن وقد كان.
كان أول ضحية لها المشير عبدالحكيم عامر
لكن بلكونات لندن التي لا ترحم اصطادت الزوج، صحيح أنه لم يسقط من البلكونة، إذ كان وزنه أثقل من هذا، إلا أنه وجد مقتولا فيها، وقضت مها بعد ذلك سنوات صعبة في العمل، حتى مرضت أواسط الثمانينيات، وتوفيت في ديسمبر 1989 قبل أن تكمل العقد السادس من عمرها.
اعتماد وصلاح نصر.. "اغتصاب حامل"
"اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر".. ظل هذا الكتاب هو الأشهر منذ إصداره، خصوصًا أنه يكاد يكون المصدر الوحيد الذي جسد "الجرائم الأخلاقية" لمدير المخابرات الأسبق صلاح نصر. "اعتماد" تلك المنتجة الفنية الشابة وجدت نفسها مُجبرة على العيش لأربع سنوات "نصر" قبل أن تخرج لتحكيها أمام محكمة الثورة، بل وصفته بـ"الشيطان"، وحكت كيف اغتصبها من داخل أسرتها وفرض على زوجها أن يطلقها بل يشهد على زواجها منه وهي حامل في شهرها السابع.
"كان يحضر حفلات ما تسمى بالسمو الروحانى وكان يقوم فيها مع ضباط كبار بالسيطرة على الفنانات والسيدات لتجنيدهن".. هذا جزء مما قالته "المنتجة الفنية" في شهادتها ضد مدير المخابرات الأسبق. وذكرت اعتماد خورشيد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر حادثة قتيلة فيلا سموحة التي رفضت الانصياع لأوامره وتجنيدها؛ فقتلها وطرد زوجها أستاذ الجامعة الأمريكية ليعمل في الأمم المتحدة وصادر الفيلا وحولها إلى وكر من أوكار ممارساته المشبوهة.
رد جمال عبد الناصر على اعتماد خورشيد، قائلًا: "كسبتي إيه من الفن.. إلا الدمار؟!"، بحسب ما ذكرته في مذكراتها، ولذلك يعد كتابها الصادر في عام 1988 واحدا من أبرز الكتب إثارة في تاريخ مصر، وحقق مبيعات لم يحققها كتاب آخر، وتم منعه وسحبه من الأسواق بحكم قضائي.
برلنتي والمشير.. الزواج المُر
أما القصة الأشهر فكانت من نصيب الفنانة برلنتي عبدالحميد والمشير عبدالحكيم عامر، الذي بدأ سرًا بحضور الأهل والأصدقاء وبعض رجال ثورة يوليو وبالتدريج أصبح علنيا مع استقرار العلاقة بينهما واستمر زواجهما حتى رحيل المشير.. "فيتو" خصصت تقريرًا مطولا عن هذه القصة بنفس الملف.