"هو إنسان عظيم، ويمتلك نفسية طيبة مفتوحة كالكف الأبيض، ولا حدود لعطائها" هذا كان حديث فيروز عن زوجها الموسيقي الشهير عاصي رحباني، الذي مدحه الشاعر الكبير نزار قباني قائلا: "هو الذي أعطانا الضوء الأخضر لنحب فأحببنا،"، هذا الحب كان وراءه ألحان وكلمات يحفظها العشاق، فالثنائي خاضا معا حياة صعبة، بها العديد من اللحظات المميزة، ومن ينسى فيروز حينما وقفت لتغني "سألوني الناس"، مهدية إياها لـ"عاصي"، المحجوز في المستشفى، وتشدو قائلة: "لأول مرة ما بنكون سوا". وخلال هذا التقرير نرصد خمس أغان استلهمها "عاصي" من حبه لـ"فيروز".
جاءت نكسة 1967 صادمة لـ"عاصي" صاحب التوجه العروبي، فوجد نفسه يستدعي أفكاره هو وشقيقة "منصور"، ومعه "حبيبته فيروز"، قدما أغنية "زهرة المدائن" لرثاء المدينة العتيقة التي سقطت في أيدي الكيان الصهيوني.. كان يعتقد البعض أن الأغنية من ألحان الشاعر سعيد عقيل، لكن المعلومات الواردة في الألبومات والأسطوانات الأصلية لفيروز تؤكد أن هذه القصيدة من تأليف الأخوين رحباني.
زهرة المدائن
"زهرة المدائن" هي الأغنية العلامة، التي دائما ما تكون حاضرة في أي فعالية تحيي مأساة مدينة القدس، وتقول كلمات الأغنية: "لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّي، لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي، عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد".
يا جارة الوادي
أغنية "يا جارة الوادي" لم تكن فى البداية من أعمال الأخوين رحباني، فهي قصيدة ألفها أمير الشعراء أحمد شوقي، ولحنها وغناها محمد عبد الوهاب عام 1928، ثم أعادت فيروز طرحها بصوتها، بلمسات مميزة من الأخوين، حيث قدمت هذه المرة بتوزيع مختلف، وكان بالأغنية الأصلية خطأ لغوي، وعندما غنتها فيروز مرة أخري قامت بتكرار نفس الخطأ الذي كان فى كلمة "الرياض"، حيث يقول البيت "ولقد مررت على الرياض بربوة غناءَ كنت حيالها ألقاكِ"، وتنطقها فيروز باللام والصواب ألا تنطق بها.
خذني بعينيك
وعام 1966، قدما الأخوان لفيروز أغنية "خذني بعينيك"، التي قدمتها جارة القمر لأول مرة في معرض دمشق الدولي عام 1966، وأحبها الجمهور، لأن القصيدة تتحدث عن بلاد الشام، التي تجمع شعوب دول لبنان ، سوريا، الأردن، وفلسطين.
سهار بعد سهار
لحن أغنية "سهار بعد سهار" كان تحديا بالنسبة لمحمد عبد الوهاب، فالأغنية كتبها الأخوان رحباني، والمهمة الأصعب كانت للملحن، ويحكي عبد الوهاب عن تلك التجربة في برنامج "النهر الخالد"، فيقول إنه كان مندهشًا من وجود "حرف التاء" في كوبليه "سهار بعد سهار.. ت يحرز المشوار"، يقابله فى اللهجة المصرية كلمة علشان، وكان متعجبًا من كيفية تعبير هذا الحرف عن المعنى.
الآن الآن وليس غدا
أما فى أغنية "الآن الآن وليس غدًا" تحدث الأخوان رحباني عن ضرورة عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم، التى أحتلت عام 1948، لكن هذه الأغنية لا تذاع إلا نادرًا، كما أنها غير مصورة، وغنتها فيروز أيضًا عام 1966 فى معرض دمشق الدولي.
وعندما أدت فيروز تلك الأغنية، وقالت "الآن الآن وليس غدًا أجراسُ العودةِ فلتقرع"، جاء رد الشاعر المخضرم نزار قباني عليها في قصيدة قائلا: "مِن أينَ العـودة فـيروزٌ والعـودة ُ تحتاجُ لمدفع، عـفواً فـيروزُ ومعـذرة ً أجراسُ العَـودة لن تـُقـرع، خازوقٌ دُقَّ بأسـفـلنا من شَرَم الشيخ إلى سَعسَع".فى النهاية.. عاصي رحباني قدم الكثير، وأثرى أرشيف الموسيقى العربية، وأعماله مع السيدة فيروز، ظلت باقية إلى الآن، تأخذنا أغانيهما إلى عالم آخر، سواء استمعت إليها في ساعات الصباح الأولى، أو في ليالي الشتاء الطويلة.